الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على
سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين،
أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا
من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى
جنات القربات.
الأول : القراءة من المكتوب ، وهو المعنى المتبادر لدى الناس ، ومنه قول الله تعالى
: ( اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ) الإسراء/14
.
الثاني : القراءة عن ظهر قلب ( من المحفوظ في الذاكرة ) ، بمعنى التلاوة المجردة
عن النظر في شيء مكتوب ، ومن ذلك قول الله عز وجل : ( إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ
وَقُرْآنَهُ . فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ) القيامة/17-18 ، ومعلوم
أن جبريل عليه السلام كان يقرأ القرآن على النبي محمد صلى الله عليه وسلم من غير
كتاب . ومنه أيضا قول الله عز وجل : ( فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ
بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ) النحل/98 ، وقوله سبحانه : ( وَإِذَا
قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ
بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا ) الإسراء/45 . وكذلك قوله تعالى : ( وَقُرْآنًا
فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا )
الإسراء/106. وهي كلها تصف تلاوة النبي صلى الله عليه وسلم آيات الكتاب الكريم
بأنها ( قراءة ) ، رغم أنه عليه الصلاة والسلام كان أميا ، لا يقرأ من الكتب ،
وإنما يقرأ من محفوظه الذي جمعه الله له في قلبه .
وهكذا ينبغي أن نفهم قول الله عز وجل : ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي
خَلَقَ . خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ . اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ )
العلق/1-3 . على أنه أمر بالقراءة من المحفوظ ، وتلاوة ما سيلقيه عليه جبريل عليه
السلام . فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله ( ما أنا بقارئ ) أي لا أعرف
القراءة من الكتاب ، فكيف لي أن أقرأ شيئا لا أحفظه ولا أعرفه .
يقول الشيخ عطية سالم رحمه الله :
" القراءة لغة الإظهار والإبراز ، كما قيل في وصف الناقة : لم تقرأ جنينا ، أي لم تُنتِج . وتقدم للشيخ بيان هذا المعنى لغة ، وتوجيه الأمر بالقراءة إلى نبي أمي لا تعارض فيه ; لأن القراءة تكون من مكتوب وتكون من متلو ، وهنا من متلو ، يتلوه عليه جبريل عليه السلام ، وهذا إبراز للمعجزة أكثر ; لأن الأمي بالأمس صار معلَّمًا اليوم . وقد أشار السياق إلى نوعي القراءة هذين ، حيث جمع القراءة مع التعليم بالقلم " انتهى من " تتمة أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن " (9/13) .
" القراءة لغة الإظهار والإبراز ، كما قيل في وصف الناقة : لم تقرأ جنينا ، أي لم تُنتِج . وتقدم للشيخ بيان هذا المعنى لغة ، وتوجيه الأمر بالقراءة إلى نبي أمي لا تعارض فيه ; لأن القراءة تكون من مكتوب وتكون من متلو ، وهنا من متلو ، يتلوه عليه جبريل عليه السلام ، وهذا إبراز للمعجزة أكثر ; لأن الأمي بالأمس صار معلَّمًا اليوم . وقد أشار السياق إلى نوعي القراءة هذين ، حيث جمع القراءة مع التعليم بالقلم " انتهى من " تتمة أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن " (9/13) .
ويقول العلامة الطاهر بن عاشور رحمه الله :
" قوله تعالى : ( اقرأ ) أمر بالقراءة . والقراءة نطق بكلام معين مكتوب ، أو محفوظ
على ظهر قلب .
والأمر بالقراءة مستعمل في حقيقته من الطلب لتحصيل فعل في الحال أو الاستقبال ،
فالمطلوب بقوله : ( اقرأ ) أن يفعل القراءة في الحال أو المستقبل القريب من الحال ،
أي أن يقول ما سيُملَى عليه ، والقرينة على أنه أمر بقراءة في المستقبل القريب أنه
لم يتقدم إملاء كلام عليه محفوظ فتطلب منه قراءته ، ولا سلمت إليه صحيفة فتطلب منه
قراءتها ، فهو كما يقول المعلِّمُ للتلميذ : اكتب ، فيتأهب لكتابة ما سيمليه عليه .
وفي حديث الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قولها فيه : ( حتى جاءه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك فقال : اقرأ . قال : فقلت : ما أنا بقارئ . فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال : اقرأ . فقلت : ما أنا بقارئ . فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال : اقرأ . فقلت : ما أنا بقارئ . فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني فقال : اقرأ باسم ربك الذي خلق إلى ما لم يعلم ) فهذا الحديث روته عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقولها ( قال : فقلت : ما أنا بقارئ ) وجميع ما ذكرته فيه مما روته عنه لا محالة ، وقد قالت فيه : ( فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده )، أي : فرجع بالآيات التي أمليت عليه . أي : رجع متلبسا بها ، أي : بوعيها . وهو يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلقى ما أوحي إليه ، وقرأه حينئذ . ويزيد ذلك إيضاحا قولها في الحديث : ( فانطلقت به خديجة إلى ورقة بن نوفل فقالت له خديجة : يا ابن عم ! اسمع من ابن أخيك )، أي : اسمع القول الذي أوحي إليه . وهذا ينبىء بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ما قيل له بعد الغطة الثالثة : ( اقرأ باسم ربك ) الآيات الخمس قد قرأها ساعتئذ كما أمره الله ، ورجع من غار حراء إلى بيته يقرؤها .
وعلى هذا الوجه يكون قول الملك له في المرات الثلاث : ( اقرأ ) إعادة للفظ المنزل من الله ، إعادة تكرير للاستئناس بالقراءة التي لم يتعلمها من قبل .
ولم يذكر لفعل ( اقرأ ) مفعول ، إما لأنه نزل منزلة اللازم ، وأن المقصود : أوجِد القراءة ، وإما لظهور المقروء من المقام ، وتقديره : اقرأ ما سنلقيه إليك من القرآن " انتهى من " التحرير والتنوير (30/435) .
وفي حديث الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قولها فيه : ( حتى جاءه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك فقال : اقرأ . قال : فقلت : ما أنا بقارئ . فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال : اقرأ . فقلت : ما أنا بقارئ . فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال : اقرأ . فقلت : ما أنا بقارئ . فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني فقال : اقرأ باسم ربك الذي خلق إلى ما لم يعلم ) فهذا الحديث روته عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقولها ( قال : فقلت : ما أنا بقارئ ) وجميع ما ذكرته فيه مما روته عنه لا محالة ، وقد قالت فيه : ( فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده )، أي : فرجع بالآيات التي أمليت عليه . أي : رجع متلبسا بها ، أي : بوعيها . وهو يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلقى ما أوحي إليه ، وقرأه حينئذ . ويزيد ذلك إيضاحا قولها في الحديث : ( فانطلقت به خديجة إلى ورقة بن نوفل فقالت له خديجة : يا ابن عم ! اسمع من ابن أخيك )، أي : اسمع القول الذي أوحي إليه . وهذا ينبىء بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ما قيل له بعد الغطة الثالثة : ( اقرأ باسم ربك ) الآيات الخمس قد قرأها ساعتئذ كما أمره الله ، ورجع من غار حراء إلى بيته يقرؤها .
وعلى هذا الوجه يكون قول الملك له في المرات الثلاث : ( اقرأ ) إعادة للفظ المنزل من الله ، إعادة تكرير للاستئناس بالقراءة التي لم يتعلمها من قبل .
ولم يذكر لفعل ( اقرأ ) مفعول ، إما لأنه نزل منزلة اللازم ، وأن المقصود : أوجِد القراءة ، وإما لظهور المقروء من المقام ، وتقديره : اقرأ ما سنلقيه إليك من القرآن " انتهى من " التحرير والتنوير (30/435) .
والخلاصة : أن الأمر بالقراءة في هذه الآية ( اقرأ باسم ربك ) ليس من صحيفة
مكتوبة ، بل من محفوظ خاص تعلمه ، فأجاب النبي صلى الله عليه وسلم بأنه أمي ، لم
يحفظ شيئا من كتاب قرأه قبل ذلك ، فألقى عليه جبريل أوائل سورة العلق ليقرأها ؛ أي
: ليحفظها ويتلوها بعد ذلك .
إرسال تعليق